لماذا واتسون وسيري لا يُعتبرون ذكاءً اصطناعيًا

لماذا واتسون وسيري لا يُعتبرون ذكاءً اصطناعيًا

هذا النص المترجم هو حوار مع المختص في العلوم الإدراكية Douglas Hofstadter

لقد قلتَ في الماضي بأن واتسون، كمبيوتر IBM الذي يلعب لعبة Jeopardy، لا يستحق مصطلح “ذكاء اصطناعي”. لماذا؟

حسنًا، “الذكاء الاصطناعي” هو مصطلح فضفاض، قد لا يشير إلا إلى جعل الآلات تقوم أشياء تبدو ذكية في ظاهرها، مثل لعب الشطرنج بشكل جيد أو الترجمة من لغة إلى أخرى على المستوى السطحي، وهي أمور مبهرة إن لم تكن تنظر إلى التفاصيل. بهذا المعنى، لقد صنعنا ما يُطلق عليه بعض الناس بالذكاء الاصطناعي. ولكن إن كنت تقصد آلة تمتلك ذكاء حقيقيًا -أي التفكير- فهذا غير صحيح. واتسون هو عبارة عن خوارزمية للبحث في النصوص متصلة بقاعدة بيانات مثل جوجل، وهو لا يفهم ما الذي يقرؤه. في الواقع، “يقرأ” هي كلمة غير صائبة، فهو لا يقرأ أي شيء لأنه لا يستطيع فهم أي شيء. واتسون يستطيع العثور على النصوص من دون أن يكون عنده أدنى فكرة عن معنى هذا النص. بهذا المعنى، لا يوجد هنالك ذكاء، نعم إنه بارع ومبهر، إلا أنه أبله تمامًا.

هل تعتقد بأننا سنشهد تراجع العوائد من مقاربة الذكاء الاصطناعي بطرق تشبه واتسون؟

لا أستطيع توقع ذلك في الواقع. ولكن ما أستطيع قوله هو أنني راقبت ترجمة جوجل، التي تستعمل طريقة مشابهة، لعدة سنين. إن ترجمة جوجل تتطور وتحرز تقدمات لأن المطورين يبتكرون طرق جديدة وذكية للاستفادة من سرعة الحواسيب ومن ضخامة قاعدة البيانات. إلا أنه لا تحقق أي تقدم في جانب فهم نصوصك، ولا يزال بإمكانك أن تراه يفشل فشلًا ذريعًا في حالات كثيرة. وأنا أعلم أنه لن يستطيع أبدًا إنتاج نصوص ]مترجمة[ نظيفة، لأن الترجمة الحقيقية تتضمن فهم ما يقال ومن ثم إنتاج الأفكار التي سمعتها للتو باستخدام لغة أخرى. إن الترجمة ترتبط بالتعامل مع الأفكار، وليس مع الكلمات، ومترجم جوجل هو عبارة عن كلمات تستدعي كلمات أخرى.

إذن لماذا يركز الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي كثيرًا على بناء برامج وحواسيب لا تقوم بفعل أي شيء يشبه التفكير؟

إنهم لا يدرسون العقل ولا يحاولون اكتشاف مبادئ الذكاء، لذلك قد لا تكون كلمة “بحث” هي الكلمة المناسبة لوصف دافع الناس في المجال المسمى بالذكاء الاصطناعي. إن ما يقومون به هو تطوير منتجات.

ولكنني أعود فأقول بأنه قبل 30 إلى 40 سنة، عندما كان المجال يافعًا، لم يكن الذكاء الاصطناعي يتعلق بالربح المالي، والناس العاملين في هذا المجال لم يكونوا يعملون بدافع تطوير المنتجات. لقد كان المجال يتعلق بفهم طريقة عمل العقل وبمحاولة جعل الحواسيب تفعل أشياء يستطيع العقل فعلها. إن العقل في غاية المرونة والسيولة، فكيف تستطيع جعل الآلات الجامدة تفعل أشياء تتميز بالسيولة؟ إن هذه لمعضلة جميلة وتبعث على الحماس، فلسفيًا.

في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ابتعد كثير من باحثي الذكاء الاصطناعي عن نوع العمل الذي تدعو إليه. ما الذي حدث؟

لقد كان ذلك نتيجة لضجة كبيرة لم تتحول إلى واقع ملموس. في الحالة الأولى، كان الكثير من باحثي الذكاء الاصطناعي يقولون بأن الآلات الذكية على وشك الظهور قريبًا جدًا. في الستينيات، كانوا يتوقعون بأنه خلال عقد من الزمن سيكون هنالك حاسوب يحقق البطولة العالمية في الشطرنج. إلا أن ذلك كان بعيدًا كل البعد عن الواقع، ولذلك أعتقد بأنه في السبعينيات كانت الجهات الحكومية الممولة تنظر بعين التشكيك إلى تلك الضجة، وتوقف ضخ الأموال لفترة.

أمر آخر حدث في بداية الثمانينيات. كان هنالك شيء يسمى بالجيل الخامس من الحواسيب، والتي كانت تستخدم نوعًا معينًا من لغات البرمجة تُدعى Prolog، وهي مبنية على منطق استنباطي جامد جدًا، وكانت تدعي بأن جميع المعارف البشرية سيتم ترميزها وتخزينها في قاعدة بيانات باستخدام Prolog. كُتبت الكثير من الكتب حول هذا الأمر، وتقدم كثير من الناس بطلب منح، وتمت الموافقة على الكثير من هذه المنح، وبعدها …. لم يحدث أي شيء.

Prolog كانت واحدة من أسخف المقاربات التي سمعت عنها في حياتي، وقد فشلت فشلًا ذريعًا. ومرة أخرى قالت الحكومة: “لم تنتجوا أي شيء، ولذلك لن نموّلكم”. ولذلك بدأت بعض الشركات مثل أبل بالاستثمار بدلًا من الحكومة، وعندما بدأت الحواسيب في التضخم وأصبح لها ذاكرات ومعالجات أفضل، اكتشف الناس أنه بالإمكان حل المشاكل عن طريق القوة العمياء (Brute Force)[1] بشكل لم يكن متاحًا من قبل. يمكن القول بأن ذلك أنعش الحماس لتطوير منتجات تستطيع أن تفعل أشياء مبهرة – حتى وإن كانت الحواسيب خلف الكواليس لا تفعل أي شيء يشبه التفكير.

إذن ما الذي سيقربنا أكثر من خلق ذكاء اصطناعي حقيقي؟

أعتقد أنه ينبغي التحرك باتجاه العلوم الأكثر أساسيةً، وأن نغوص في فهم طبيعة التفكير. ما هو “الفهم”؟ كيف يمكننا إيجاد روابط بين أمور تبدو في ظاهرها مختلفة تمامًا عن بعضها البعض؟ إن معجزة الفكر البشري تكمن في هذا الغموض.

إن الأشخاص العاملين في الشركات الكبيرة مثل IBM أو Google لا يسألون أنفسهم “ما هو التفكير؟”. إنهم يفكرون في كيف يمكننا أن نجعل هذه الحواسيب تتجنب أو تتجاوز كامل مسألة المعنى ولكن مع تحقيق سلوك مبهر في الوقت ذاته.

كيف يمكنا حتى أن نبدأ في الإجابة عن تلك الأسئلة الضخمة؟

إليك هذا المثال: لقد قام فريقي البحثي بالتركيز على بناء برامج تنظر إلى سلاسل حرفية وتستطيع أن تدركهم على مستويات مجردة. فمثلًا، أستطيع أن ألقي عليك السؤال التالي: “إذا تغيرت سلسلة الحروف (أ ب ج) إلى (أ ب د)، فكيف يمكن للسلسلة (ح ح ط ط ي ي) أن تتغير بنفس الطريقة؟” حسنًا، يمكنك أن تجيب بأن (ح ح ط ط ي ي) ستتغير أيضًا إلى (أ ب د). هذه أغبى إجابة ولكن بالإمكان تبريرها. يمكن أن تكون أقل جمودًا فتقول بأن (ح ح ط ط ي ي) ستتغير إلى (ح ح ط ط ي د)، حيث الحرف الأخير يتغير إلى د. ولكن الملاحظة الأكثر تطورًا وتعقيدًا هي أن (ح ح ط ط ي ي) تشبه الحروف الأبجدية (أ ب ج) ولكن مع تكرار كل حرف، وعلى ذلك تكون إجابتك هي (ح ح ط ط ك ك)[2] حيث يتغير آخر حرفين إلى الحرفين الذين يليهما.

هذا بالطبع ليس مثالًا على تفكير آينشتايني، ولكنه مثال على التفكير – مثال على غض النظر عن كل شيء والتركيز على أصل المسألة. هذا ما نحاول أن نجعل برامجنا تفعله، ليس فقط أن تقوم بخلق تصورات مجردة، بل أن تفضّلها أيضًا.

هل تعتقد أن الاهتمام بالذكاء الاصطناعي في المستوى الأساسي يتم إحياؤه من جديد الآن؟

أحد طلابي في مرحلة الدراسات العليا، واسمه أبهيجيت ماهابال Abhijit Mahabal، انضم إلى فريقي البحثي لأنه كان شديد الاهتمام بمحاولة فهم كيف ينظر الناس إلى الأنماط. عندما انتهى من دراساته العليا اختطفته جوجل. الآن هو يعمل في جوجل، وبينما أعلم تمامًا أن دوافعه لا تزال محاولة فهم العقل، إلا أنه في شركة، وفي الشركات ما يهمّ هو الأرباح والمنتجات. ولكن في نفس الوقت، تريد جوجل أن تشجع الأشخاص الأذكياء، وأبهيجيت في غاية الذكاء، وهم يعطونه الفرصة لاستكشاف أفكاره الخاصة.

كما تعلم، في البيئات التي يتدفق فيها المال، هنالك بعض الفائض الذي يمكن استخدامه للانغماس في الكماليات، كما أنه سيظل هنالك أشخاص مهتمين بما يحيط التفكير من غموض.


ترجمة: علي الحاجي @AliHajji93

المصدر: https://www.popularmechanics.com/science/a3278/why-watson-and-siri-are-not-real-ai-16477207/

[1] أسلوب القوة العمياء في حل المشاكل يعتمد على مبدأ تجريب كافة الاحتمالات إلى أن تصل إلى الحل الصحيح. فمثلًا يمكنك أن تعرف أي مفتاح يفتح قفل ما عن طريق تجريب كافة المفاتيح التي في يدك حتى تصل إلى المفتاح الصحيح (المترجم)

[2] الترتيب الأبجدي للحروف العربية هو أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ

ضع تعليقك